شهدت إسبانيا في الأشهر الأخيرة ارتفاعًا ملحوظًا في أعداد المهاجرين غير النظاميين، حيث بلغت الزيادة 66% في هذا العام، مما أثار العديد من التساؤلات حول الأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة، فوفقًا لتقرير نشرته صحيفة “إل بايس” الإسبانية، تصدرت الجنسية المالية قائمةجنسيات المهاجرين الذين يسعون للوصول إلى السواحل الإسبانية، متفوقة بذلك على الجنسية المغربية.و قد يحمل هذا التغيير دلالات مهمة حول الاتجاهات الجديدة للهجرة، حيث تعكس هذه التحولات الأوضاع الاقتصادية والسياسية التي تعاني منها بعض الدول الأفريقية.
علاوة على ذلك، أظهرت البيانات أن عمليات إنزال المهاجرين في جزر الكناري قد ارتفعت بنسبة 126%، بينما شهد عدد القادمين إلى سبتة زيادة بلغت 143%. تلك الأرقام تبرز الأهمية الاستراتيجية لجزر الكناري كمحطة رئيسية للمهاجرين القادمين من إفريقيا، حيث تجد هذه الفئة نفسها في مواجهة العديد من المخاطر أثناء عبور البحر.
ولعل من الأمور اللافتة هو الارتفاع الهائل في أعداد المغادرين من موريتانيا نحو جزر الكناري، حيث بلغت الزيادة 6000% خلال النصف الأول من العام الحالي،و يُعزى هذا الارتفاع إلى مجموعة من العوامل، أبرزها الظروف الاقتصادية المتدهورة والضغوط الاجتماعية التي تعاني منها البلدان الأفريقية، ما يدفع الكثيرين للمغامرة في رحلة خطرة عبر البحر الأبيض المتوسط.
يتداخل عدد من العوامل التي تؤثر على حركة المهاجرين، ولعل أبرزها هو الانتشار الأمني المغربي الذي ساهم في تقليص عدد المهاجرين القادمين عبر شواطئ شمال المغرب وجنوبه. حيث تشير التقارير إلى أن عمليات الدخول غير النظامي عبر السواحل المغربية انخفضت بنسبة 30% خلال نفس الفترة، مما يعكس مدى تأثير الرقابة الأمنية على أنماط الهجرة.
ومع ذلك، تبقى الهجرة غير النظامية ظاهرة معقدة تتطلب معالجة متعددة الأبعاد تشمل الجوانب الاجتماعية، الاقتصادية، والأمنية. فقد أثبتت الأبحاث أن تلك الظاهرة ليست مجرد نتيجة لعوامل محلية، بل تندرج في إطار تعدد المشكلات التي تواجهها المنطقة بأسرها.
و في خطوة غير مسبوقة، اتخذت السلطات القضائية في مدينة تطوان المغربية قرارًا بالتحقيق مع 47 شخصًا بتهمة “تعريض حياتهم وحياة الآخرين للخطر، والدخول إلى منطقة أمنية محظورة”. تشير هذه الإجراءات إلى التزام السلطات المغربية بالتحقيق في القضايا المرتبطة بالهجرة، كما تسلط الضوء على المخاطر المحدقة بالمهاجرين، خاصة في ظل الظروف المناخية الصعبة التي يواجهونها.
في الليلة التي تم فيها توقيف هؤلاء، أوقفت القوات المغربية بالتنسيق مع القوات الإسبانية 590 شخصًا، مما يعكس التعاون الأمني بين البلدين في مواجهة الهجرة غير النظامية. ومع ذلك، تبقى حقوق المهاجرين موضوعًا حساسًا يتطلب التوازن بين السياسات الأمنية والاعتبارات الإنسانية.
كما شهدت عمليات الدخول غير النظامي عبر الحدود البرية إلى جيب سبتة الإسباني زيادة ملحوظة بنسبة 173%، حيث بلغ إجمالي عدد الداخلين 1605 أشخاص هذا العام.
تظل الهجرة غير النظامية إلى إسبانيا مسألة معقدة تتداخل فيها العديد من العوامل. يتطلب التصدي لتلك الظاهرة إجراء المزيد من الأبحاث والدراسات لفهم دوافع المهاجرين. كما تحتاج كل من إسبانيا والمغرب إلى التنسيق بشكل أكبر للتعامل مع تداعيات هذه الظاهرة، شريطة أن يتم ذلك ضمن إطار يحترم حقوق الإنسان ويعزز من الكرامة الإنسانية.
إضافة لذلك، يجب النظر إلى الهجرة باعتبارها قضية تنموية وليست فقط مسألة أمنية، حيث يمكن أن تساهم الاستراتيجيات المدروسة في تعزيز التنمية المستدامة في الدول المصدرة للمهاجرين، مما ينعكس إيجابًا على واقع الهجرة ويقلل من تدفقات الهجرة غير النظامية في المستقبل.